بين العمودية والأفقية في الشعر الحسيني
1 - بين البزوغ والشهادة
في كتابه تاريخ اضمحلال وسقوط روما [1] يشير المؤرخ الانجليزي ايدورد جيبون الى مشهد الامام الحسين «Hosein» وشعبيته ويشير إلى شرف الإمام في التعامل مع المسيحين وحمله روح والده الإمام علي ع وأجداده الهاشميين في التعامل الكريم ويشير أيضا إلى واقعة كربلاء ووقوفه أمام يزيد طاغية دمشق بسرد بضعة تفاصيل منها حواره مع الحر الرياحي «دون ذكر اسم الحر» وعن اتكاله على الله وعدم خوفه من تهديد الموت ومنها إصرار أصحابه على الاستبسال في الموت دونه رغم أنه اخبرهم بعدم ضرورة ذلك وكذلك تفاصيل مقتله الشريف وعدد الجراحات ويختم حديثه بالاقتباس المشهور والمتداول
«إن مشهد قتل الحسين المأسوي سيحرك عاطفة أكثر القراء صلابة» [2] . وهنا ساهتم بثلاث نقاط اشرت إليها اعلاه
- الشعبية - الشرف والاخلاص - حركة العاطفة
2 - الاتفاف بالقدوة
أشرت إلى الثلاث نقاط أعلاه لأنها الشروط اللازم توفرها في قدوة قيادية في الشعر الإنجليزي القديم كما هو الحال في الشعر الديني العربي
وكون المؤلف الذي اقتبست مقولته انجليزيا وجدت أنه من المناسب أن أشير إلو نظام هذا النمط من الشعر الرثائي الحركي في بدايات الأدب الانجليزي بعد وفاة قائد ما في معركة مثلا
- يندب ويذكر مصيبة الشخصية العظيمة
- يجمع الناس مستثمرا عاطفتهم تجاه هذا العظيم المتوفى
- يحثهم على الاقتداء به ومواصلة مسيرته
وهذا ظاهر في الشعر الحسيني القديم
وإن اكتفى غالبه بالحالة الوصفية من استدرار العاطفة دون محاولة استثمارها
أو استدرارها واستغلالها لتأييد فكرة سياسية أو اجتماعية تناسب الناظم
3 - النظام العمودي والأفقي
لكي تنجح هذه المحاولة في جمع الناس يجب أن يكون نظام القصيدة عموديا وهذا لا يعني استخدام بحور الخليل كشكل بل استخدام العمودية كنمط فكري يعني أن يكون الشاعر حلقة وصل بين البشر وبين هذا الإنسان العظيم الذي لا يطاله أحد في الأفق ويكون واجبه إرشادهم الى الطريق للإقتداء بتعاليم العظيم رغم يقينهم بعدم القدرة على الوصول إلى علياه وتتجلى هذه الفكرة وتتكرر في السواد الأعظم من النصوص وهي تشبه بطريقة ما النظام الديني الكاثلوكي أيضا كون القس «الشاعر» هو أعلى من المستمعين المذنبين وأنه سينتشلهم من طين الارض ويحاول أن يصعد بهم إلى نقاء السماء الفضلى ولذلك ستظهر الجمل الإرشادية بما يجب أن يقوم به المتلقي بصورة متعالية وكأن الشاعر غير منتمي للمتلقين.
وهو عكس النظام الأفقي في القصيدة وهو سائد بدوره أيضا في القصيدة الحسينية التقليدية والحديثة حيث يكون الشاعر بها مذنبا كباقي المجتمع المحيط وربما أشدهم ذنبا ولكن يقع عليه الضغط الأكبر في محاولته الخلاص والنهوض مع المذنبين أمثاله وهي تشبه النصوص الشعرية البرتوستانية الدينية؟
ونادرا ما يغادر شاعر هذين النظامين ويشعر بوجود الممدوح في جميع جهاته وتجلي فيوضه في البشر دون تعارض منطقي في تبنيه لهذا الطرح مع النظامين المذكورين سابقا أو يستدعيه استدعاء رمزيا خارجا عن إطار المدح والرثاء.
تلك حالة من القلق تحتاج إلى التأمل عند البحث عن التجديد في كتابة النص الحسيني من حيث المضمون قبل الشكل.